Back

فخر جمهورية بولندا" ، المؤلف: الرئيس أنجي دودا"

04.05.2021

يجب على الذكرى الـ230 لإقرار الدستور البولندي، أول دستور في أوروبا، أن تكون عيدًا ملهمًا لأوروبا الحديثة بأكملها

PAD

نحتفل اليوم في بولندا، في جو ربيعي مبهج، بعيد وطني هام، يعود إلى القرن الثامن عشر ويمثل إحياء لذكرى إقرار الدستور في 3 مايو 1791، والمعروف باسم "قانون الحكومة" أو دستور 3 مايو. إنه أول قانون أساسي حديث في أوروبا والثاني في العالم – لقد كان عملًا تشريعيًا تاريخيًا. شكّل إقرار هذا التشريع الهام من قِبَل مجلس النواب الكبير للكومنولث البولندي-الليتواني المنعقد في وارسو، نقطة تحوّل تاريخية. يعتبر إرث دستور 3 مايو، وفكرة النظام السياسي الذي يتضمنه، بجانب نشره لرسالة الحرية والديمقراطية جزءًا هامًا للغاية من الإرث الأوروبي. لذلك، يجب على الذكرى السنوية الـ230 لإقرار هذا الدستور أن تكون عيدًا ملهمًا لأوروبا الحديثة بأكملها هذا العام.
غالبًا ما تأتي الدساتير العظيمة نتيجة منعطف سياسي أو ثقافي حاد، وتكون ثمرة تفكير متأني في الجوانب المضيئة والمظلمة من التاريخ حتى اللحظة. ولكن، تكمن الحنكة في الإصلاح بحكمة، وليس في التدمير الشامل سيرًا وراء أفكار عالم اليوتوبيا البعيد عن الحقائق التاريخية. فلا يمكن إقرار نظام جديد على الورق بشكل تعسفي؛ بل يجب أن يُستمد من تجارب إنسانية وأماني وتطلعات حقيقية.
إن الدستور الأمريكي وهو أول دستور في العالم لهو مثال على مزج ناجح للرؤية والواقعية، والذي جاء استجابة لتحديات التاريخ. كذلك ربط واضعو دستور 3 مايو لعام 1791 خططهم الإصلاحية بحالة سياسية واجتماعية محددة. أصبح الدستور علاجًا مختارًا بعناية للأزمة التي أثرت على الجمهورية آنذاك، حيث كان الهدف من القانون الأساسي تعزيز حرية وحقوق المواطنين، بالإضافة إلى حُكم واستقرار الدولة. كان من المفترض أن يمنح كيان الدولة القوة لتكون مستقلة وقادرة على المواجهة الفعالة للأعمال العدائية للقوى المجاورة التي أرادت الهيمنة على الجمهورية ونهب أراضيها في النهاية. لم يكن من قبيل المصادفة أن تروّج روسيا تحت حكم الامبراطورة كاثرين الثانية وبروسيا تحت حكم الملك فريدريك الثاني صورة سلبية للبولنديين أمام المجتمع الدولي، تُظهِر عدم قدرتهم على تقرير المصير والحكم الفعال. لكن شهد دستور 3 مايو على عكس تلك الصورة، لأنه من هنا، من وسط وشرق أوروبا، من جمهورية النسر البولندية والفارِس الليتوانية، التي شكّلت وطنًا مشتركًا للعديد من الشعوب والثقافات، تدفقت حلولٌ حديثة ذات رؤى مستقبلية ومنطقية ورائدة في ذات الوقت.
يُعد الاحتفال اليوم بذكرى اعتماد دستور 3 مايو مناسبة لتذكر تقاليد النظام المجيد للجمهورية السابقة – مثل سيادة القانون والديمقراطية والنظام البرلماني، التي هي جزء هام من هويتنا. من الجدير بالذكر أن التقاليد الجمهورية الثرية في بولندا، والمستوحاة من إنجازات روما واليونان القديمة، تعود في بولندا إلى القرن الرابع عشر. امتياز النبلاء البولنديين neminem captivabimus  "لن نسجن أحدًا بدون حكم قضائي" يعود لعام 1430 قبل وقت طويل من القانون الإنجليزي الخاص بالمثول أمام القضاء Habeas Corpus لعام 1679. قانون البرلمان nihil novi sine communi consensu " لا شيء جديد بدون إجماع على الموافقة" – الذي منع الملوك من إدخال أي قوانين لم يوافق عليها البرلمان - يعود تاريخه إلى عام 1505. كما كان يتم انتخاب الملك منذ عام 1573 عن طريق انتخابات عامة بمشاركة جميع النبلاء الذين كانوا يشكلون حوالي 10% من السكان، كما يعتبر قانون كونفدرالية وارسو لعام 1573 شاهدًا على التسامح الديني. كان إنشاء الكومنولث البولندي-الليتواني في عام 1569- كدولة مشتركة للبولنديين والليتوانيين على أساس اتحاد طوعي متكافئ في حد ذاته ظاهرة في أوروبا في ذلك الوقت، يمكن اعتبارها نموذجًا أوليًا للاتحاد الأوروبي اليوم.
كان دستور 3 مايو – التي حوّل جمهورية بولندا في القرن الثامن عشر إلى مَلَكية دستورية، مستندة إلى قاعدة فصل السلطات الثلاث وضمان حماية المواطنين بموجب القانون - تطورًا منطقيًا لإرثنا. كما يجدر التأكيد على أن هذا الإصلاح الدستوري المؤثر والمبتكر جاء نتيجة عملية سياسية، ولم يأت جراء ثورة مسلحة وقمع دموي ضد طبقات اجتماعية بأكملها. كان الفكر الدستوري الرئيسي هو فكرة مجتمع المواطنين: "يحيا الملك الحبيب! يحيا البرلمان، تحيا الأمة، تحيا كل المقاطعات! ". إن هذا العمل التاريخي هو مصدر فخر دائم لنا.
قرر أعداء الحرية أن الدستور التحرري الحديث الصادر في 3 مايو يشكل تهديدًا لهم، فشنّت روسيا الإمبريالية الاستبدادية، بدعم من بروسيا، حربًا ضد الدستور وفعلت كل شيء لتدمير إرثه، لكن دستور 3 مايو استطاع الصمود، حيث استمرت ذكرى طفرة إصلاح النظام التشريعي، وانتفاضة الفكر والروح في أذهان الأجيال المتعاقبة؛ انتفاضة كان هدفها التحديث المنشود، المستند إلى أسمى القيم العالمية. يعتبر إرث دستور 3 مايو جزءًا لا يتجزأ من أعظم عناصر التراث الأوروبي. ليس من قبيل المصادفة أنه خلال الاحتفال بالذكرى الخمسين لمعاهدات روما، تم الاستشهاد بدستور 3 مايو باعتباره "أحد المصادر الأولى لفكرة الاتحاد الأوروبي".
إنني مقتنع بأنه يمكننا اليوم أيضًا الرجوع إلى الافتراضات الأيديولوجية والإرث الخاص بدستور مايو – بجانب التفكير في الشكل الجديد للتكامل الأوروبي والتعديلات المستقبلية الممكنة للمعاهدات الأوروبية. يجب أن يكون المبدأ الوارد في دستور 3 مايو ملهِماً باستمرار: "تنبع كل سلطة في المجتمع البشري من إرادة الأمة". إن نقص الديمقراطية، والاعتراف غير التام بتمثيل المواطنين في عملية توجيه قرارات الاتحاد الأوروبي هو أحد أهم تحدياتنا المشتركة (من المثير للاهتمام أن توتر التوفيق بين الحاجة إلى تطبيق الديمقراطية والكفاءة نجده أيضًا في أحكام دستور مايو)، حيث بحثَ أيضًا عن طرق للتوفيق بين التقاليد والحداثة - ففي النهاية، كان مزيجًا من أفكار التنوير والقيم المسيحية المعترف بها كأساس لوحدة أوروبا. يجب التأكيد على أن "القانون الحكومي" لعام 1791 كان يسترشد بالمبادئ التي ما زلنا نتبناها حتى اليوم كأساس للحضارة الأوروبية والنظام الأوروبي: احترام الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والتضامن. هذه مؤشرات على بوصلة أكسيولوجية لا يمكن أن تغيب أبدًا عن أنظارنا.
لذلك ، أشارككم عظيم الفخر والبهجة بمناسبة الذكرى الـ 230 لإقرار دستور 3 مايو. إنه عيد هام للبولنديين والليتوانيين ولجميع شعوب أوروبا الوسطى والشرقية، الذين أنشأوا تراث جمهورية بولندا السابقة؛ إنه أيضًا عيد أوروبي مشترك. فليكن مصدر إلهام لبناء أوروبا أفضل وأكثر تكاملًا. فليكن اليوم، كما في الأغاني القديمة، "فجر مايو".
الرئيس أندجي دودا

تم نشر النص بالتزامن مع الإصدار البولندي الشهري "كل ما هو هام Wszystko co Najważniejsze" في إطار مشروع تم تنفيذه مع معهد الذكرى الوطنية ومركز KGHM.


 

Photos (2)

{"register":{"columns":[]}}